أصدر عالم الدين البارز السيد عبدالله الغريفي بياناً ثمّن فيه أية دعوة صادقة للحوار، وقال الغريفي في بيانه إن أي حوار لا يمكن أن يحقّق أهدافه المطلوبة ما لم تتوفّر فيه أرضيّة صالحة للحوار مع ضرورة توفير مبادئ وشروط للحوار.
وشدد الغريفي على ضرورة التوافق على هذه الأرضيّة، والمبادئ والشروط، وإلاّ كان حوارًا فاشلاً، استهلاكيًّا، تخذيريًّا، فما عادت الوعود وحدها كافية لكي تقنع الناس، وتطمئن الشعب، وترضي القوى.
وحذر الغريفي في بيانه من الشائعات التي تتحرّك هنا وهناك لإضعاف الموقف، وإرباك الصورة، وإلهاء الناس، وبثّ الخوف واليأس، وتخدير الإرادة، وربّما تكون هذه الشائعات مطبوخة في مطابخ خاصّة، وربّما هي من نتاج عقولٍ ساذجة، فما أحوج اللحظة الراهنة إلى درجة عالية من الوعي والبصيرة، واليقظة، والحذر.
كما نبه الغريفي إلى ضرورة الحذر من شعارات تدفع في اتجاه الخلاف والتفرقة والصراع، والمواجهة، خشية أن يضعف الموقف، وتسقط الأهداف، مطلوب أن تتحرّك الشعارات المُوحِّدة القادرة أن تحمي الموقف، وتحفظ الأهداف، وتواجه التحدّيات، كما حذر من صراعات الزعامة، والصدارة، فالشعب قد أعطى دماءً، وهي أغلى من كلِّ الصراعات، وأقوى من كلّ الزعامات، وأصدق من كلّ الخطابات، كما حذر من إثْقَالِ السّاحة بالمزيد من العناوين، فما عادت الأوضاع في هذه المرحلة تتحمّل كلّ ذلك، فدماء الشهداء، وأنين الجرحى، وعذابات المعتقلين تخاطبنا جميعًا أن يكون عنواننا الكبير "مطالب هذا الشعب العادلة"، وأن يكون خيارنا جميعًا "الوحدة والتلاحم". وذكر الغريفي أن إصرار الشعب على التحدّي والصمود ليس من أجل إنتاج الفتنة والفوضى والتأزيم وليس بدافع الثأر والانتقام, وليس مجرّد رغبةٍ في محاكاةِ ما يجري في عالمنا من فوراتِ غضب ضدّ أنظمة حكمٍ وسياسة، وإنّما هو الخيار عندما تجمّدت كلّ الخيارات، وإنّما هي الإرادة حينما تمرّدت على كلّ القيود، وإنّما هي الكرامة عندما تحدّت كلَّ ألوان الذلِّ و الاستعباد، وإنّما هي العزّة حينما انفتحت على شيئٍ من عزّة الله, وعلى شيئٍ من قوة الله, وعلى شيئٍ من كبرياء الله.
وعرج الغريفي للحديث عن هذه المرحلة المفصليّة من تاريخ شعب البحرين وحيث تسارعت الأحداث, ووصلت الأوضاع إلى غاية التأزّم بعد أن أصبح الشارع ينزف بالدّم، وأكد الغريفي على الإصرار على مطالب الشعب العادلة، فلا خروج من المأزق إلاّ بتغييراتٍ سياسيّة حقيقيّة تستجيب لمطالب الشعب، وإنّ أيّ تنازلٍ أو مساومةٍ يمثِّل خيانة لن يغفرها الله, ولن تنساها الأجيال، والإصرار على حقِّ المواطنين في التعبير عن مطالبهم العادلة, وقد برهنت الجماهير على درجةٍ عاليةٍ من الانضباط والسلميّة, رغم كلِّ الاستفزازات المدفوعة بروح الفتك والبطش, وكم هو مشهد رائع نقف أمامه إجلالاً وإكبارًا أن تتقدَّم فتاةٌ تحملُ باقةً من الورود والزهور لتسلّمها إلى قوات الشغب والذين ما جفّت أيديهم من دماء المجزرة في دوّار اللؤلؤة في فجر الخميس الدامي, فهل يستحقّ هذا الشعب الطيّب, النبيل, المسالم أن يُواجه بالرصاص, وآلات القتل والبطش الفتك؟، وإنَّ زيارةً واحدةً إلى الراقدين في مستشفى السلمانية من الجرحى والمصابين تكشف حجم المأساة..
وطالب الغريفي بمحاكمة الجناة الذين مارسوا أقسى ألوان القتل والفتك والبطش وبلا رحمة ضدّ أبناء شعبنا المسالم, إنّ مجزرة الخميس الأسود لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة هذا الشعب إلاّ بالقصاص العادل, وإلاّ بمقاضاة أولئك الذين أزهقوا أرواحًا بريئة, لا لشيئٍ إلاّ أنّ أصحابها رفعوا أصواتهم يطالبون بحقوقهم المشروعة.
وأكد الغريفي على ضرورة الإصرار على شعار الوحدة والتقارب، وقال إن أخطر ما يواجه الموقف في هذه المرحلة أن تتحرّك خطابات التجزئة والتشظّي والشتات بكلّ أشكالها وألوانها وصياغاتها،
وإنّ المرحلة تفرض أن تتوحّد كلّ الجهود, وأن تتلاقى كلّ القوى, وأن تتلاحم كلّ المواقف, فالرهان كلّ الرهان، أن يتمزّق الصف, وأن تتناقض الرؤى, وأن تتباين المواقف, وأن تتصارع الخيارات, وأن تتحارب القناعات.وذكر الغريفي أن الحديث عن هذا التوحّد لا يعني الحديث عن توحّدٍ شيعي في مقابل توحّدٍ سنّي, لا نتحدث عن توحّداتٍ طائفيّة أو مذهبيّة أو سياسيّة متنافية متناقضة, لا مشكلة أن تصاغ توحّداتٍ في داخل الطائفة أو في داخل المذهب أو في داخل الجماعة, ولكنّ المشكلة حينما تتحوّل هذه التوحّدات إلى حالاتٍ متصارعة, متحاربة, متنافية، إنّ أخطر ما يواجه الموقف في هذه المرحلة, اللعب على وتر الطائفيّة والمذهبيّة, والتناقضات السياسيّة, من أجل إشغال السّاحة بالصراعات والخلافات, الأمر الذي يفرض علينا مزيدًا من الوعي واليقظة والحذر, وعدم الدخول في السجالات والتجاذبات الهامشيّة والصغيرة على حساب الأهداف الكبرى والمصيريّة.
|