قال السيد عبدالله الغريفي في خطبته بجامع الصادق بالقفول مساء أمس: «إن الساحة السياسية تشهد مخاضات صعبة، أنتجت مآزق أمنية شديدة... السلطة تريد لهذا المشهد السياسي أن يكون وفق مقاساتها، والقوى الناشطة تريد لهذا المشهد السياسي أن يكون وفق قناعاتها، والشارع له همومه ومطالبه، وليس بالضرورة أن تتوافق دائماً مقاساتُ السلطة وقناعاتُ القوى الناشطة، وهموم الشارع... ربما توافقت، وكثيراً ما تقاطعت. وحينما تصرّ السلطة -في حالات التقاطع- على أن تفرض مقاساتها، تبدأ الأزمات السياسية. إن أمكن إدارة هذه الأزمات، وإلاّ تحوّلت إلى مآزق أمنية، وقد تتحول إلى كوارث أمنية مدمّرة».
وأضاف أن «المخرج من الأزمات، وحتى لا تتحول إلى مآزق، وبالتالي إلى كوارث، أن تنفتح على قناعاتِ القوى الفاعلة في الساحة، وعلى هموم ومطالب الشعب، وأن تعيد النظر في مقاساتها، وأن لا تصرّ عليها وإن كانت خاطئة وتقود البلد إلى الأزماتِ والمآزق والكوارث... إن مزيداً من انفتاح السلطة، يمنح القوى الناشطة قناعة أكبر بصدقية العملية السياسية ويمنح الشعب اطمئناناً أكبر بواقعية النظام... إن مشاركة الكثير من القوى الناشطة في العملية السياسية وإن استجابة الكثير من أبناء هذا الشعب للتعاطي مع الانتخابات رغم كل إحباطاتهم، يمثل الفرصة لأن تعيد السلطة كلّ الحسابات من أجل إنتاج واقع سياسي جديد ينقذ هذا البلد من أزماته ومآزقه، ويؤسّس لتقارب حقيقي، وانفتاح صادق. إنّ السلطة قادرة أن تصوغ المشهد السياسي بطريقة تمنحه الصدقية، والشفافية، والجاذبية».
وقال: «إذا كنا نطالب القوى الناشطة بمزيدٍ من المرونة، ومزيدٍ من الانفتاح على العملية السياسية، وإذا كنا نطالب الشعب بمزيدٍ من التجاوب ومزيدٍ من المشاركة، فإنّنا نطالب السلطة قبل ذلك بمزيد من الواقعية، وبمزيدٍ من الجدّية في إصلاح الوضع السياسي. إنّ الوضع السياسي في حاجة إلى إعادة إنتاج من جديد، وليس إلى ترميمات، وترقيعات، وإذا كنا نحمّل السلطة المسئولية الأولى، فهذا لا يعني أن لا تتحمل القوى السياسية مسئوليتها، وأن لا يتحمل الشارع مسئوليته... يجب أن تتكامل المسئوليات، ولا تتكامل المسئوليات إلاّ إذا اقتنع الجمهور بوجود شراكة حقيقية، وما لم تتوفر هذه القناعة فستبقى الأدوار متصادمة. يجب العمل الجاد من أجل إنتاج هذه القناعة، ليس من خلال الشعارات، والخطابات، وإنّما من خلال الأعمال والممارسات».
واعتبر أن «المنطلق لإنتاج هذه القناعة أن تكون هناك مصالحة حقيقية مع القوى الناشطة، ومع الشعب، الأمر ليس عسيراً، إنّه يحتاج إلى نوايا صادقة، وإرادات قوية، ولقاءات جادّة... صحيح أنّ هناك من يعمل على إجهاض أيّ مشروع حقيقي للحوار، وربّما بعناوين الولاء للنظام، والغيرة على الوطن، والشك في النوايا، إلاّ أنّ في هذا البلد الطيب غيارى مخلصين يحملون همّ هذا الوطن، ويريدون أن تتحرك الجهود الصادقة لخلق مصالحة حقيقية تعطي للقوى الناشطة حضورها الفاعل، وتعطي للشعب استحقاقاته المنصفة».
وبشأن البيان الصادر عن وزير العدل والشئون الإسلامية الشيخ خالد بن على آل خليفة الذي جاء رداً على دعواتٍ طالبت باستقلالية المؤسسات الدينية -المساجد/الحسينيات/الحوزات- وباستقلالية الخطاب الديني، قال الغريفي: إن بيان الوزير يطرح مصطلحات يدور حولها «جدل مذهبي حاد، فنتمنى أن لا يُقحم، فربّما أوجد قلقاً خشية أن يُفرض وفق رؤية مذهبية معينة.
لكن الغريفي قال إنه يتفق مع ما جاء في بيان الوزير بشأن ثوابت الخطاب الديني، «أن يكون معتدلاً، متسامحاً، مرناً، شفافاً، وأن يكون واعياً بصيراً، وأن يكون نظيفاً، مهذباً، وأن يكون ملتزماً بكل ضوابط الشرع والدين، وأن يكون حاضراً في قضايا الإسلام والمسلمين، وأن لا يكون مساوماً ومداهناً، وأن لا يمارس تأجيجاً طائفياً ومذهبياً، وأن لا يوتّر أمناً واستقراراً، وأن يحمل هموم الوطن والمواطنين».
وتطرق إلى بعض الإشارات والاتهامات العائمة التي قد يفهم منها اتهام المال الديني بدعم العنف والإرهاب، وقال: «أتحدّث هنا عن المال المتمثّل في الخمس، وفي البحرين»، وأن هذا «تجنٍّ كبير وخطير على الطائفة وعلى علماء الطائفة أن يتهم المال الديني الشيعي بدعم العنف والإرهاب»، متسائلاً: «متى ثبت في تاريخ هذه الطائفة أنّ علماءها وهم الحريصون على أمن هذا الوطن قد دعموا عنفاً أو إرهاباً؟». وقال: «إنّ العلماء الكبار في هذا البلد المتصدّين لتسلّم أموالِ الخمس من المكلفين ليس لديهم أسرار في التعاطي مع هذه الأموال، فالأمور واضحة كلّ الوضوح، فهم يوظفوّن الأموال في مصالح أبناء هذا الشعب، وفي صالح هذا الوطن، ثم إنّ هؤلاء من المعروفين بالصلاح والتقوى، فلا فساد في إدارة أموال الخمس، كما تتحدّث بعض الكلمات المسكونة بالكثير من العقد تجاه الدين وعلماء الدين، وهناك إشرافٌ دقيق، هناك لجان، هناك تقارير، نعم نطمح إلى مزيد من التنظيم، ونطمح إلى توفّر الإمكانات للانطلاق بأموال الخمس في مشروعات تخدم الوطن والمواطنين».
وبشأن الانتخابات، قال: «رغم كلّ تعقيدات المشهد السياسي، وإشكالاته وإخفاقاته، ورغم كلّ الاحتناقات والتأزمات التي تحاصر هذه المرحلة، ورغم كلّ الإحباطات، والآلام، والمعاناة، رغم كلّ هذا، فإنّنا نتجّه بكلّ قناعةٍ وإصرارٍ إلى المشاركة في الانتخابات، من أجل أن تبقى الكلمة حاضرة في موقع القرار، من أجلِ أن تبقى الكلمة صارخة، مدافعة، مقاومة، مصححة، لا نريد لهذه الكلمة أن تهرب، أن تتوارى، أن تغيب، أن تُقبَر، ليكون مكانها الكلمة المتسلّقة، الكلمة المساومة، الكلمة المُداهنة، الكلمة المأسورة». |