قالوا

 يعيش الجميع اليوم عصر الثورة المعلوماتية التي تنتشر فيها الأفكار و المعلومات بسرعة و سهولة من و إلى أي بقعة من بقاع العالم، و لكن ما فائدة هذا الكم الهائل من المعلومات في ظل هيمنة رأي واحد و فلسفة واحدة على نوعية هذه المعلومات، و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس بمثل هذه الأفعال حقيقة العالم الذي تمثله و تريد في نفس الوقت.

الأستاذ علي السكري
من الذي صام؟ الدرازيون أم النعيميون؟   |    في ذمة الله الشَّابة زهراء عبدالله ميرزا صالح   |   ذمة الله تعالى الحاجة جميلة حسن عبدالله    |   على السرير الأبيض الحاج خليل إبراهيم البزاز أبو منير    |   برنامج مأتم الجنوبي في ذكرى ولادة السيدة الزهراء    |   في ذمة الله حرم الحاج عبدالله سلمان العفو (أم ياسر)   |    في ذمة الله الطفلة زهراء جابر جاسم عباس   |   نبارك للأخ الطالب محمد حسن علي ثابت حصوله على الماجستير في إدارة الأعمال    |   رُزِقَ الأخ عبدالله علي آل رحمة || كوثر || 12/12/2021   |   دورة تغسيل الموتى    |   
 
 الصفحة الرئيسية
 نبذة تاريخية
 أنشطة وفعاليات
 مقالات
 تعازي
 شخصيات
 أخبار الأهالي
 إعلانات
 النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية
 ملف خاص
 خدمات الشبكة
 المكتبة الصوتية
 معرض الصور
 البث المباشر
 التقويم الشهري
 أرسل خبراً
 اتصل بنا
 
تغطيات صحفية
 
كريم المحروس...........موروثات ثقافية تضفي قدسية على أدوات التعليم
الأستاذ كريم المحروس - 2007/08/31 - [الزيارات : 3507]

غشاوة مانعة للرؤية الصحيحة تحجبها العادات والتقاليد
موروثات ثقافية تضفي قدسية على أدوات التعليم


العادات والتقاليد والأعراف وما إليها من صور ثقافية قد تضفي قدسية على بعض مواد أو أدوات مناهج التعليم أو رموزها فتشكّل غشاوة مانعة عن الرؤية الصحيحة، وقد تصل النتائج في ذلك إلى أن كلّ ما كان يتطلب الإصلاح والتجديد والتطوير يقابل في حكمه مثل حكم الأصول والقواعد الأساسية الثابتة التي لا تقبل الجدل والنظر ولا يطرأ عليها التحوّل كالقيم والمثل والعقائد والنصوص وثيقة الصدور. وفي المقابل؛ لا يخلو مجتمع من جهود الإصلاح الداعية إلى فرْز الثابت عن المتغيّر، فالثابت عندهم يظلّ أصلاً وقاعدة أساسية تُبنى عليها ثقافة المجتمع وشؤونه وعقيدته وقيمه وشبكة علاقاته، بينما يخضع المتغيّر للفحص والتقييم والمراجعة ومن ثمّ الإصلاح والتجديد إنْ لزم الأمر بناءً على تلك القواعد والقيم والعقائد الثابتة. ويأتي كلّ شأن قديم وراهن خاضعاً للتصنيف بين الثابت والمتغيّر، وهذه كانت واحدة من رؤى جهود الإصلاح الديني المفسّرة للعلاقة بين الحديث المعاصر والقديم من التراث وما يضمه من ثابت ومتغير.


الإصلاح لا يعني الانقلاب على القديم
‘’فالقديم: خلاف الحديث’’. [1] والقديم: ما مضى على وجوده زمن طويل”.[2] وكون المادة العلمية أو الثقافية خاضعة لصفة القدم لا يعني بأيّ حال من الأحوال أنها كانت فاسدة مطلقاً، فقد تكون في زمانها صالحة، لكن تقدّمها في الزمان يزيد عليها تراكماً علمياً أو ثقافياً فيتشكّل القديم هنا حلقة من حلقات تقدّم المادة أو أصلاً مضافاً أو قاعدة مؤدّية إلى نشوء وبروز الجديد فيها. وقد رأت رموز الإصلاح في المؤسسة التعليمية الدينية أن التراث العلمي الديني يُشكل أساساً علمياً اُنتزعت منه فكرة الإصلاح والتجديد المتبناة، وليس شاذاً أو غريباً عليها. وقد انطلقت جهود الإصلاح بين أروقة وزوايا وصفوف المؤسسة التعليمية ذاتها لإعمال أثر هذه الفكرة الحضارية، وبذلك ميّزت رموز الإصلاح بين التحدّيات الداخلية التي عُرفت بالجمود والمحافظة، وبين التحديات الخارجية الخطيرة المتمثلة في هيمنة الوجود الاستعماري ونظمه الاستبدادية.
فالإصلاح لا يعني الانقلاب على القديم باعتباره فاسداً موجباً للحذف أو الإعدام والتصفية، أو باعتباره أمراً متناقضاً مع التنمية المتصورة في تراث الأفكار الوافدة. فكتاب الله تعالى والسنة الشريفة يدرّسان قديماً بنصوصهما الفقهية وأصولهما، إلى جانب تدريس اللغة العربية بفروعها وأقسامها على هيئة تقليدية، ولكن جهود الإصلاح والتجديد أصبحت تطالب باستثمار الكتاب الكريم والسنة الشريفة لتدرسا وتفسرا بطريقة صحيحة مثمرة يجد فيها الناس أثراً يومياً لحياتهم وسلوكهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وما أشبه، وتدرس موضوعات الفقه والأصول بشكل حيوي يراكم موضوعات جديدة إلى القديمة بما يثري ويُغني قواعد هذين العلمين ويعزّز من موقف عالم الدين الفقيه المجتهد القائد والزعيم. وتدرس اللغة العربية لتنتج خطباء وشعراء وكتّابا متمكنين من مادة تخصصهم الديني فيقدمون للأمة سبلاً ومناهج جديدة لحياة أفضل وأمثل. كلّ ذلك يشير إلى أن أصول الدراسة في المؤسسة التعليمية الدينية لم تكن مستهدفة من قبل المصلحين على سبيل تقويضها أو القفز عليها أو مجاوزتها، إنما لإصلاح منهجها وإخراجه على شكل نصوص منظمة واضحة المعالم، ومرحلية سهلة الاستيعاب، وبحوث وتحقيقات أكثر حيوية، وحركية وفاعلية تعليمية موصلة إلى الأهداف في زمن قياسي بسند إمكانات مناسبة.


علم المناهج والوسط الاجتماعي
إنّ عالم المناهج في عصرنا الراهن شهد تطوراً كبيراً في مجالات العلوم الإنسانية والطبيعية والرياضية الحديثة إلى الحدّ الذي أصبح فيه علم المناهج مختصا برعاية علمية واسعة جداً لما كان له من حضور ودور فاعل وفضل عظيم في تنظيم الأفكار والمعلومات وفق مجموعة من الأصول والقواعد الموصلة إلى نتائج مفيدة. وقد عُرّف المنهج حديثا بأنه: “مجموعة من القواعد العامة يعتمدها الباحث في تنظيم ما لديه من أفكار أو معلومات من أجل أن توصله إلى النتيجة المطلوبة. أو هو طريقة البحث”.[3] ويعتبر مثل هذا التعريف جامعا بين التعريفات القديمة والحديثة للمنهج. ففي التعريف الحديث عرف المنهج بأنه “الخطة المرسومة” [4] ترجمةً لما ورد في التعريف الإنجليزي للمنهج(Method) “الذي اشتهر في الحوارات والبحوث العلمية الغربية والعربية حديثا، وهي تعني: ‘’الطريقة، والمنهج، والنظام’’. [5]
ومع وجود قناعة بأهمية المنهج باعتباره طريقة ذهنية ونظاماً عقلياً أو غير ذلك من سُبل التمكّن من مواد الدراسة لكسب وضمان نتائج مخرجاتها؛ إلا أن حال التشبث بالطرق القديمة في التعليم ظلت مخيمة على المؤسسة التعليمية الدينية واستمرت في هيمنتها على النصوص في هيئةٍ جامدة يفتقد منهجها القديم القابلية للإصلاح بمثل حال الوسائل التعليمية التي جمدت على مستوى من التخلف كبير. وقد أوحت مسيرة التعليم الديني في غير مرحلة علمية تاريخية إلى وجود قناعة راسخة أفادت بأن المعمول به في الدراسة الدينية لا يصلح إلا بهيئته القديمة المتوارثة، ولا يصلح إلا بتلازم وثيق بين أسلوب هذه الدراسة ووسيلته القديمة أيضا، حتى ذهب البعض من كبار رجالات هذه المؤسسة التعليمية إلى القول إن منهج الحوزات ومدارسها هو (اللامنهجية) و(اللانظام) في الدراسة والتدريس.


التخطيط لإصلاح المناهج الدراسية
وأمام مثل هذه المقولات؛ كان لجهود الإصلاح الديني دور كبير في التخطيط لمحاولات إصلاح هذه الطرق والمناهج الدراسية القديمة خلال مراحل تاريخية مختلفة مرّت على حياة التعليم الديني أدت إلى انعكاسات إيجابية مميزة في الوسط الاجتماعي بالرغم من الظروف المعقدة المانعة والصعبة جداً، مثلما كان الحال بالنسبة لدور الشيخ الطوسي في بعث الحياة التعليمية والإبداع وتنظيم المناهج في ظرف حتم عليه الانتقال بالمؤسسة التعليمية من بغداد إلى النجف بعد تفاقم الهجمة السلجوقية الشرسة. فالوسط الاجتماعي مهم جداً في دعم التعليم الديني لأنه مقصد فعله ومحلّ رفده. ولو قصدت المؤسسة التعليمية الدينية بنفسها إلى صناعة البدائل التعليمية وإصلاح المنهج في إطار مشروع إصلاحي شامل تحت إشراف المرجعية الدينية؛ لأصبح الاستقطاب الشعبي العام إلى جهتها حيوياً ومتقدّماً على استقطاب أية مؤسسة تعليمية مدنية منفردة منافسة. لقد كانت العلاقة بين المجتمع والمؤسسة التعليمية الدينية في ذروة تفاعلها في مرحلةٍ تاريخية طويلة بحكم ديناميكية العلوم الدينية وحيويتها وارتباطها بالوسط الخارجي وقربها منه. وبرز الكثير من الفقهاء والمجتهدون كنتاج طبيعي لحركة التنافس في الوسط العام. فالتعليم الديني آنذاك كان يراقب حركة المجتمع وتطورها ويرصد نواقصه فيلبي حاجاته وضروراته ويسعى لتنظم حياته وفق نسق مستقر، حتى دلّ ذلك على حيوية المؤسسة التعليمية الدينية وتعاطيها مع العلوم رغم هيمنة وتحديات النظام السياسي المتخلف. وانطلقت تجارب الإصلاح والتجديد في المؤسسة التعليمية الدينية على اتجاه التشيع منذ قرون لتؤدي دوراً شرعيا في غاية الأهمية، كتجربة الشيخ المفيد والمرتضى والطوسي وابن إدريس وغيرهم، فأثروا مواد المؤسسة التعليمية ومناهجها العلمية في الفقه والأصول وغيره. وبرزت أيضا في ذلك تجارب حديثة نشأت في المؤسسة التعليمية الدينية في العصر الحديث واستطاعت أن تقدّم منهجاً تعليمياً متقدماً رغم كونها مبادرات فردية غير مؤسسية. وهنا لابد أن نسجّل تقييما مقارباً لأداء مناهج الدراسات الدينية في المؤسسة التعليمية الدينية وتطور الجهود الإصلاحية الحديثة حتى نتعرف من خلالهما على مناطق القوة والضعف، ومظاهر السلب والإيجاب، والمقومات الأساسية لمشروع الإصلاح، والمنتهى الذي وصلت إليه.


غياب النظم في منهاج الدراسة
جل للمنهج التعليمي القديم في المؤسسة التعليمية الدينية مواصفات حسنة كثيرة جعلته صامداً أمام رياح التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، كما جعلته معطاء في ظل ظروف كانت معقدة جدا، لكن بعض النواقص اعترت هذا المنهج وحدّت من المستوى العلمي والعملي المؤمل والمعول عليه للتصدي لزعامة الأمة وريادتها وتنمية أحوالها الدينية والمدنية، ونعرض في هذه الفرصة لواحدةٍ منها، وهي (غياب التنظيم).
يعدّ تقسيم مواد منهج الدراسة في المؤسسة التعليمية الدينية إلى مواد (العلوم النقلية) ومواد (العلوم العقلية) وتصنيفها إلى أشكالها المعروفة والشاملة لمواد الفقه والتفسير والسيرة وأصول الفقه والكلام والمنطق والحكمة ومواد الآلة كاللغة العربية وأدبها؛ من أهم الدلائل على تطوّر المنهج ومادته في المؤسسة التعليمية الدينية خلال مراحل زمنية مختلفة. ولم تكن المدارس الدينية تعرف مثل هذه التقسيمات والتصنيفات حتى مطلع القرن الخامس الهجري. وكان المنهج الدراسي في بادئ الأمر عبارة عن مجلس لسرد الروايات يجتمع فيه عدد من المريدين والحفظة في مستويات عمرية مختلفة بلا أي نظام أو مراحل دراسية أو تدرّج زمني علمي. وكان طلاب العلوم هم أنفسهم طلاب الروايات والباحثون عن نصوصها وسندها ودلالاتها، فيقرؤون النصّ القرآني ويتداولون مرويات السنة، ويحرصون على حضور مجالس خاصة تُملى فيها النصوص الدينية ودلالاتها وإسنادها بواسطة الشيوخ الذين يستمعون في أوقات محددة قراءات إملاءاتهم على طلابهم فيجيزون روايتها.
وبعد مرحلة الحفظ ونقل الرواية جرت مرحلة تدوينها، فكان الطلاب يتخصّصون في مجال الحفظ أو التدوين أو في كليهما معاً. ويعد أسلوب التدوين مرحلة متقدّمة مرّت بها مجالس الدراسة بعد عملية الحفظ، وظهرت خلالها كتب أطلق عليها ‘’الأصول’’ ألفت من قبل الشيوخ والعلماء الكبار من أصحاب الاختصاصبار عليها في آنذاك هم حفاظ القرآن والسنة لتعليمية الدينية الاختصاصفي هذه المجالات، وسُجّل عددها عند اتجاه التشيع ليصل إلى أربعمائة أصل. و’’أطلق عليها عنوان (أصل) بمعنى مقصد لرجوع العلماء إليها واعتمادهم لمزايا، منها: انفرادها بمنهج خاص في التأليف، وهو أن الحديث المدون فيها إمّا أنه برواية مؤلفه عن الإمام مباشرة أو برواية عمن يرويه عن الإمام مباشرة، والثناء على مؤلفيها بما يوجب أن يقال بصحة ما فيها، من قبل قدماء الأصحاب’’.[6] وبعد صدور تلك المؤلفات على منهج عرض خاص؛ برزت مرحلة ‘’الجوامع المتقدمة’’ في القرن الرابع الهجري فحلّت محل الأصول الأربعمائة وشاع الاعتماد عليها كمصادر أساسية للرواية وسندها، وسُمّيت بالـ(الكتب الأربعة) هي: كتاب (الكافي) لأبى جعفر الكليني، وكتاب (من لا يحضره الفقيه) لأبي جعفر القمي، وكتابي (التهذيب) و(الاستبصار) لأبي جعفر الطوسي. وقد ضمّت هذه المصادر الأربعة جُلّ مرويات ‘’الأصول’’ بنحو أفضل من حيث الجمع والتقسيم. ثم تلت هذه الكتب كتبٌ أخرى متقدمة، ككتاب (الوافي) للشيخ محمد الفيض الكاشاني، وكتاب (وسائل الشيعة) للشيخ محمد الحر العاملي، وكتاب (بحار الأنوار) لمحمد المجلسي، وكتاب (مستدرك الوسائل) للميرزا حسين النوري. وعلى مثل هذه المؤلفات ونصوصها نشأت وتطورت المؤسسة التعليمية الدينية في اتجاه التشيع وتوسّع منهجها ليشمل مؤلفات أخرى جاءت شرحا أو تعليقا أو تفصيلا أو جمعا أو تقعيدا وتأصيلا.
وفي اتجاه الخلافة صدرت أيضا مؤلفات مشهورة ضمت المرويات اعتمدت في حلقات الدرس، ونشأت عليها المؤسسة التعليمية الدينية وشيوخها، وكان من بين تلك المؤلفات: كتاب (الموطأ) لمالك بن أنس، وكتاب (مسند احمد بن حنبل)، وكتاب (الجامع الصحيح) لأبى عبد الله البخاري، وكتاب (الجامع الصحيح) لمسلم القشيري، وكتاب (السنن) لأبي داوود السجستاني، وكتاب (السنن) لمحمد الترمذي، وكتاب (السنن) لأحمد النسائي، وكتاب (السنن) لمحمد القزويني.


الإيجاز والتعقيد والحفظ
ولكون هذه المؤلفات المتداولة في حلقات الدرس متخصصة في حمل الرواية وسبر أغوارها وتقييم وثاقة صدورها وتمام متنها، فقد تنوّعت مصطلحاتها وتعدّدت مقدماتها ومتطلبات شروحها وتعريفها، فتطوّرت بذلك الحاجة إلى علوم آلة مساعدة، كقواعد اللغة وطرق التفكير وأساليب العرض والتقسيم، فضلاً عن شروط حضور حلقات الدرس وعلاقة الشيخ بتلاميذه وطرق تدوين وحفظ ونقل المرويات. لكن الصفة الغالبة على حلقات الدرس والمميز لها تمثلت في صور الإيجاز والتعقيد الشديد في عرض وشرح العبارة ونقلها، ما عزّز دور الحفظ والاعتماد الكلي على الذاكرة كوسيلة فضلى في التعاطي مع العبارات والمصطلحات المتداولة.
ومع تكاثر المؤلفات الناقلة والشارحة للنص والمساعدة على الفهم والإدراك والحفظ، أصبح على طالب العلم بذل الكثير من الجهد الذهني حتى يصل في المنتهى إلى مراده، فينشأ الشخص قادراً على حمل مسؤولية تبليغ الشريعة الغراء وفقاً للمفاهيم والعادات والتقاليد السائدة في المدرسة الدينية وبيئتها الاجتماعية. من هنا أصبحت وظيفة التعلّم صعبة وشاقة جداً كلّما مرّ الزمان بعد عهد التشريع واجتماع المرويات في مؤلفات شاملة، حتى استغرق دراستها وحفظها أكثر من ثلثي عمر الطالب في أحيان كثيرة. ‘’فمما أضرّ بالناس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته كثرة التأليف واختلاف الاصطلاحات في التعاليم وتعدد طرقها ثم مطالبة المتعلم والتلميذ باستحضار ذلك وحينئذ يسلم له منصب التحصيل فيحتاج إلى حفظها كلها أو أكثرها ومراعاة طرقها ولا يفي عمره بما كتب في صناعة واحدة إذا تجرد لها فيقع القصور ولابد دون رتبة التمثيل، ويمثل ذلك من شأن الفقه في المذهب المالكي بالكتب المدونة مثلا وما كتب عليها من الشروحات الفقهية، مثل كتاب ابن يونس واللخمي وابن بشير والتنبيهات والمقدمات والبيان والتحصيل على العتبية، وكذلك كتاب ابن الحاجب وما كتب عليه، ثم إنه يحتاج إلى تمييز الطريقة القيروانية من القرطبية والبغدادية والمصرية وطرق المتأخرين عنهم والإحاطة بذلك كله وحينئذ يسلم له منصب الفتيا وهي كلها متكررة والمعنى واحد والمتعلم مطالب باستحضار جميعها وتمييز ما بينها والعمر ينقضي في واحد منها ولو اقتصر المعلمون بالمتعلمين على المسائل المذهبية فقط لكان الأمر دون ذلك بكثير وكان التعليم سهلا ومأخذه قريبا ولكنه داء لا يرتفع لاستقرار العوائد عليه فصارت كالطبيعية التي لا يمكن نقلها ولا تحويلها... فالظاهر أن المتعلم لو قطع عمره في هذا كله فلا يفي له بتحصيل علم العربية مثلا الذي هو آلة من الآلات ووسيلة.
ولم تُقرر أنظمة تعليمية واضحة المعالم أو منهجا واحد مميزا أو متعدد قائما على هدف ثابت يرمي إلى تحديد أهلية طالب الدين ومستواه العلمي، إنما كان الأمر متروكاً للمعلم الشيخ الذي يجيز لهذا الطالب بإحدى الإجازات المعروفة أو ببعضها أو بأكثرها، كأن يجيز له التدريس أو الرواية عنه أو غير ذلك تبعا لذهنية الطالب ومستوى حفظه ودرجة تحمله للرواية.
الهوامش:
1 - محمد فريد وجدي. ‘’دائرة معارف القرن العشرين’’، ص663 م.7
2 - المعجم الوسيط ص720 ج2 .
3 - عبد الهادي الفضلي . ‘’أصول البحث’’، ص.51
4 - المصدر السابق . ص49 .
5 - م. س. ص49 .
6 - م. س. ص48
؟ باحث بحريني

 

طباعة : نشر:
 
يرجى كتابة التعليق هنا
الاسم
المدينة
التعليق
من
رمز التأكيد Security Image
 
جميع الحقوق محفوظة لشبكة النعيم الثقافية © 2003 - 2025م